محار البحر كنز حقيقي يعزز التنوع الحيوي ويحرس البيئة البحرية لمدينة سيدي إفني 


ربورتاج صحفي:  ( فريق العمل: إلهام نعناع، علي المنجم، ايمان الحيتاني، عبدالله امنزو، دعاء بوروان، هجر المسناوي.   ( الأستاذ المؤطر: محمد غانم.

محار البحر كنز حقيقي يعزز التنوع الحيوي ويحرس البيئة البحرية لمدينة سيدي إفني

من جمالية الساحل البحري لمدينة سيدي إفني ما يزخر به من غنى على مستوى المنتوجات البحرية من جهة، ومن تنوع على مستوى أنواع الصيد من جهة ثانية، فنجد التقليدي والساحلي وعلى الأرجل.. هذا الأخير يوفر ثروة بحرية متعددة على رأسها المحار البحري الذي يشكل مورد رزق للفئات الفقيرة من الساكنة، ويقدم للمستهلك غذاء بحريا ذا قيمة كبرى، وللبيئة تنوعا حيويا خاليا من التلوث.

التسمية والانتشار

“المحار البحري”، “بلح البحر”،”بُوزرُوك / الصْرَنْبَكْ” باللسان الدارج، “ِويل” بالأمازيغية، أسماء لمسمى واحد، إنه محار البحر الكائن الرخوي ذو القوقعة والصمامين الذي يعد واحدا من الصدفيات، ويعتبر فاكهة من فواكه البحر، كما أنه صنف من الأغذية الشهية التي اشتهر بها المطبخ المغربي وزينت موائد الطعام داخل المنازل أو في الفنادق.. ويُقال إنه دافئ ومنعش ومنشط بالنظر إلى ما يحتوي عليه من معادن وفيتامينات، وما يوفره من عناصر غذائية ومواد غنية خاصة أنه مصدر قوي للبروتينات.

هذا الحيوان الصدفي المائي الذي يتخذ فيه الذكر المعطف الأحمر أو البرتقالي والأنثى المعطف الأبيض،يعيش في المحيطات وعلى السواحل رفقة كائنات بحرية أخرى، ويتواجد بكثرة في مدينة سيدي افني على الشواطئ التي تتميز بطبيعتها الصخرية والتي توفر بيئة مناسبة لتكاثر هذا الصنف من الصدفيات، ويتغذى على الطحالب وجزيئات الطعام التي يستخرجها من الماء المحيط به، وينمو ويتكاثر بوفرة على امتداد الساحل البحري الذي يدخل في نفوذ الدائرة البحرية للمندوبية الإقليمية للصيد البحري لسيدي إفني، أي من وادي ماسة إلى وادي درعة على مساحة تقدر ب 165 كيلومترا، ويتم الوصول إليه حاليا عبر طريقة “الجمع على الأرجل” خاصة في فترات الجزر، وستنضاف إليها تقنية “الصيد التقليدي” في المستقبل القريب¹.

الإفناويون والمحار: علاقة منفعة وانتفاع

إن استغلال المحار يتم بطريقة تقليدية، إذ يعمد مجموعة من الرجال أو النساء على اقتلاعه من الصخور المنتشرة على طول الساحل البحري لسيدي إفني، وتستعمل المطرقة والملاقط كوسائل أساسية في ذلك، وبعد تجميع كميات كبيرة منه يتم التخلص من الصدفات عن طريق الطهي ومن ثم تسويقه عبر عرضه للبيع بعدة نقط منها: السوق البلدي بالمدينة، على الطرق الرئيسة..

ولقد تم تقنين هذه العملية إذ صارت تخضع لمجموعة من الإجراءات المسطرية التنظيمية التي يحرص المسؤولون المعنيون على تطبيقها خصوصا في المنطقة المصنفة صحيا رقم – أ – (الجمع والتسويق دون أي معالجة) التي تمتد من “أكلو” إلى “الركونت”، وهي محمية بحرية من سنة 2013 لغاية الصيد المنظم المراعي لمبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي، ومنها: إحصاء الممارسين من الرجال والنساء، الحصول على ترخيص الجمع، تحديد الكمية، مراعاة الحجم التجاري، مراقبة عمليات النقل والبيع.. وبإحدى محطات هذه المنطقة المسماة “سيدي بولفضايل” تنشط تعاونية نسائية متخصصة في تسويق هذا المنتوج البحري محترمة الشروط التنظيمية المحددة في هذا الباب بدءا من الجمع إلى البيع.²

هذه الفئة التي يعتمد دخلها على المحار هي من الفئات المعوزة والهشة اجتماعيا، وما تجنيه من أموال (ما بين 30 و40 درهما للكيلوغرام الواحد) لا يكفي لسد جميع احتياجاتها ومتطلباتها،غير أنها تعتبره موروثا محليا وتعمل على المحافظة عليه وحمايته.

المحار”مؤشر بيولوجي” للحالة الصحية للبحار

من المؤكد أن المحار يقدم خدمة كبرى في إطعام البشر، كما أنه يلعب دورا مهما في النظام البيئي والتنوع البيولوجي، فهو يساهم بشكل كبير في محاربة تلوث المياه، حيث يعمل على تنقيتها من الملوثات وإزالة كميات كبيرة من العوالق النباتية والجسيمات العالقة في الماء، فعندما يتغذى يقوم بتصفية الطحالب المجهرية السامة التي بإمكانها أن تقتل الأسماك وتضر بالحياة البحرية، فهذا الكائن يعيش في المياه النظيفة حصرا، ويغلق صدفته فورا إذا استشعر وجود مواد سامة في الماء أو إذا كان الأخير غير نقيا، وهو بذلك يمتص المواد الكيميائية الضارة ويعمل على تحسين نوعية المياه.

وتتجلى أهمية المحار في تكوين الشعاب المرجانية التي لا يمكن الاستغناء عنها لحماية المياه والشواطئ، والتي تعد أيضا بمثابة موطن لأنواع بحرية أخرى، لذا وجب استعادة مئات الأميال من الشعاب البرية النابضة بالحياة التي توفر آماكن آمنة لتوالد اليرقات وعيش الأسماك.. وبالتالي تعزيز التنوع الحيوي وخلق التوازن على مستوى البيئة البحرية.

الأضرار والتهديدات

إن الاستغلال المفرط للمحار وتعرضه للاستنزاف خصوصا على امتداد السواحل والمناطق غير الخاضعة للمراقبة أو للتصنيف الصحي من قبل المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، قد يلحق به الكثير من الأضرار إن على مستوى الوسائل المستعملة في الجمع والاقتلاع وملاءمتها للشروط البيئية والصحية، أو على مستوى المنتوج في حد ذاته خاصة الذي لم يصل بعد إلى الحجم التجاري (صغير الحجم)، أضف إلى ذلك أن المياه الحمضية تمنعه وباقي الأنواع الأخرى من بناء الأصداف.

ووجب الانتباه إلى أنه قد تتراكم مستويات عالية من المعادن الثقيلة في المحار مثل الرصاص.. لذا ينصح بعدم الإفراط في تناوله لفترة طويلة حتى لا تنجم عن هذا التخزين بعض الآثار السلبية التي قد تلحق الأذى بالصحة العامة.

في أفق الرفع من الإنتاج ودعم البحارة والمهنيين

وللحفاظ على محار البحر من الانقراض وتثمينا لدوره في المحافظة على التنوع البيولوجي سارعت المندوبية الإقليمية للصيد البحري بسيدي إفني إلى القيام ببرامج توعوية وتحسيسية دون إغفال العقوبات الزجرية حتى يتحمل الجميع مسؤوليته سواء إدارات أو فعاليات المجتمع المدني أو بحارة أو صيادين.. من أجل المحافظة على الثروة البحرية بجميع أصنافها، ومن بينها المحار، عملا بالمبادئ التالية: الاستغلال بطريقة عقلانية وقانونية، تجنب الضغط على صنف معين دون غيره، احترام فترات الراحة البيولوجية التي تخص أصناف محددة..

كما تعمل المندوبية السابقة والوكالة الوطنية لتربية الأحياء المائية، من خلال المراقبة والتتبع التقني والعلمي،على الإشراف على تجربة جديدة، هي مشروع سيرى النور في القادم من الأيام، ويخص تربية وغرس محار البحر في المنطقة المسماة “الركونت”، إذ تم التوقيع على اتفاقية شراكة بين مكتب تعاونية أفتاس الركونت للصيد التقليدي والوكالة الوطنية لتربية الأحياء المائية بهذا الخصوص، والآن يستفيد البحارة المنتسبين لهذه التعاونية من دورات تكوينية بمركز التأهيل المهني البحري بسيدي إفني في مجال تربية المحار في مزارع خاصة تحت الماء.

توصيات حول المحار

وبما أن المحار يتميز باحتوائه على القليل من السعرات الحرارية، وعلى نسبة عالية من البروتين الذي يساهم في الشعور بالشبع والامتلاء، الأمر الذي يجعله من الأطعمة التي يمكن تناولها عند الرغبة في فقدان الوزن أو اتباع أنظمة الحمية الغذائية.

وعليه وجب شراء المحار من المصادر الموثوقة ومن المناطق المصنفة، إذ أوصى قطاع الصيد البحري المستهلكين بالتزود فقط بالصدفيات التي يتم تسويقها بنقط البيع المرخصة (الأسواق الرسمية)، محذرا من التي تباع بالتقسيط في أماكن غير مرخص لها، فهي لا تتوفر على أي ضمانات صحية وتشكل خطرا على مستهلكي المنتجات البحرية.

مفاتيح الصور:

الصورة الأولى: انتشار المحار بين الصخور على امتداد الساحل البحري.

الصورة الثانية: عرض المحار للبيع بالسوق البلدي لمدينة سيدي إفني.

الصورة الثالثة: المكان المزمع فيه تربية المحار تحت الماء بمنطقة “الركونت”، وهي مأخوذة من الصفحة الرسمية لتعاونية أفتاس الركونت للصيد التقليدي على الفيس بوك.

رابط الصورة الثالثة: https://www.facebook.com/aftasrkount/photos/105189241152237

الهوامش:

2.1. من تصريحات السيد مصطفى أيت علا “المندوب الإقليمي للصيد البحري بسيدي إفني” خلال المقابلة الحوارية بمقر المندوبية يوم 09 مارس 2021.

Comments (0)
Add Comment