تيزنيت 37 صحيفة إلكترونية مغربية

الإحصاء بالمغرب يسيل اللعاب .. أنهار من الأموال بدون رقابة أو شفافية

..

يونس مسكين (صوت المغرب)

(…) ميزانية إنجاز هذا الإحصاء تصل في الحقيقة، وبتصريح رسمي يشبه فلتة اللسان، صدر عن السيد الحليمي في أحد اللقاءات قبل أكثر من عام، (تصل) إلى ما يناهز المليار ونصف الميار درهم، أي 150 مليار سنتيم، بلغة الفقراء.

وحسب الحليمي دائما، فإن 80 في المئة من ميزانية الإحصاء ستذهب لتغطية نفقات المشاركين في إنجازه، والذين قال إن تعويضاتهم سترتفع بشكل يتناسب مع مستوى التضخم وغلاء الأسعار الحالي. وببحث سريع في أرشيف الجريدة الرسمية، نلاحظ كيف أن تعويض الباحث مثلا ارتفع من 200 درهم في إحصاء 2014 إلى 250 درهم حاليا، أي بزيادة 25 في المئة.

المشكلة ليست في هذه الأرقام في حد ذاتها ولا في قيمة التعويضات، بل يبدو الأمر طبيعيا ومنصفا ومبررا، بالنظر إلي أهمية العملية. المشكلة كلها في غياب الشفافية وعدم تقديم أي معطى مالي من طرف الجهة المكلفة بإنجاز الإحصاء.

وتكتمل “الباهية” عندما نطّلع على الوثائق الصادرة عن كل من رئيس الحكومة والخازن العام للمملكة، والتي تبيح لبنية استثنائية تتشكل من المندوب السامي للتخطيط كآمر بالصرف، والولاة والعمال كآمرين مساعدين بالصرف، إنفاق أنهار من الأموال تناهز المليار درهم، أي 100 مليار سنتيم، في فترة قصيرة لا تتعدى الشهر الواحد، بطرق استثنائية لا تسمح بأية رقابة أو شفافية.

 

كل من عزيز أخنوش ونور الدين بنسودة، خوّلا للحليمي والولاة والعمال ومن ينوب عنهم، صرف التعويضات عبر “شساعات”، وهي عبارة عن تدبير مرن يتم اللجوء إليه بشكل استثنائي لصرف بعض النفقات من المال العام دون الخضوع لشكليات الالتزام والتصفية والأمر بالأداء. بل إن دورية صادرة عن رئيس الحكومة رفعت سقف هذه الشساعات من 200 ألف درهم (20 مليون سنتيم) إلى 500 ألف درهم (50 مليون سنتيم).

تخيّلوا معي كمّية اللعاب التي يمكن لهذا الوضع أن يسيله لدى البعض.

ولا أعرف كيف يمكن لرئيس الحكومة ومعه المندوب السامي للتخطيط والخازن العام للملكة، أن يكونوا متأكدين أن هذا النهر المتدفّق من المال العام خلال هذه الفترة، لن يغري البعض بالتحوّل إلى سماسرة يتاجرون في فرص المشاركة في الإحصاء، بما أن الانتقاء تم في نهاية المطاف عبر مقابلات شفوية وليس بطريقة آلية كما كان الحال في البداية… أو يتاجرون في قيمة “شساعات” كراء السيارات والحمير والبغال…

نحن أمام فرصة سانحة لإنتاج شريحة من أغنياء الإحصاء، إذ يكفي التوفّر على أبسط منفذ لاتخاذ القرار سواء مركزيا أو محليا، لتحقيق ثروة من خلال التلاعب في عمليات صرف التعويضات. بما أن المسطرة استثنائية ولا تسمح بأية رقابة.

 

من هذا المنظور المالي، المشروع والمبرر والمستحبّ، ينبغي طرح موضوع مشاركة أساتذة التعليم في الإحصاء. وحالة التعتيم الشامل وانعدام الشفافية المالية، وصمت الحكومة والنقابات أمام الجدل الدائر الذي يثير الريبة حول تفاهمات محتملة جرت تحت الطاولة…

كل هذا يمنح المواطن كامل الحق في مساءلة الحكومة: بأي حق ترخصين لموظف منحك البرلمان حق دفع أجرته مقابل تدريس أبناء المغاربة، بالغياب عن وظيفته مدة شهر كامل، مع حصوله على أجرته كاملة؟ أي منطق هذا الذي يجعلنا في نهاية شتنبر نصرف أجورا متساوية لأساتذة اشتغلوا الشهر كله وآخرين لم يلتحقوا بمقرّ عملهم نهائيا؟ وما هو الدليل على عدم توفّر الكفاءات اللازمة لإنجاز الإحصاء ضمن نصف مليون شخص الذين تقدموا بطلباتهم، دون أن يكونوا موظفين عموميين؟

والسؤال الأهم في هذا البعد المالي للإحصاء، والذي يفترض في المندوب السامي للتخطيط، السيد أحمد الحليمي، أن يجيب عليه: كيف تنتظر من المواطن أن يجيب بكل صدق ودقة وشفافية على أسئلة مبعوثيك، بينما أنت تخفي عليه أبسط المعطيات الخاصة بميزانية الإحصاء وتطلق أيدي القائمين على إنفاقها دون أدنى رقابة؟ بل وتخفي عليه حتى المعطيات التفصيلية للإحصاء السابق الذي مرّت عليه عشر سنوات؟

رابط المقال الأصلي

غالي والإحصاء رخيص

اترك رد