..
صناعة الفخار بتيزنيت.. موروث أصيل يعكس حرفية الصانع التقليدي
وكالات
تعتبر صناعة الفخار جزء من تراث المغرب الذي تمتزج فيه الأصالة والمعاصرة، حيث تطورت إلى أن صارت ما عليه الآن من فن عريق يستخدم في أواني الطبخ أو تحف الزينة.
ويعد قطاع الفخار (البلدي) واحدا من الأنشطة التقليدية التي مارسها سكان إقليم تزنيت منذ القدم، خاصة في منطقة أنزي، وأضحت صناعة تتوارثها الأجيال وتحافظ عليها من الاندثار بشكل يعكس شغف التراث وعشق الهوية.
وتعرف صناعة الفخار، التي تصنف ضمن فنون النار وتعتمد بشكل أساسي على تطويع مادتها الأولية ونحتها، بأنها كل ما يصنع من الطين، ثم يحرق في النار بعد جفافه، ويكتسب على إثرها صفات جديدة، طبيعية وكيميائية، تجعله صالحا للاستعمال والاستخدام.
وبهذا الخصوص، قال رشيد أوسوس، وهو حرفي يعمل في هذا المجال، بأن صناعة الأشكال الفخارية تمر بسلسلة من المراحل تتطلب الصبر والمهارة، بداية من جلب المادة الأولية من سفوح الجبال أو ضفاف الوديان، ثم يتم بعدها تنظيف الطين وتنقيته بواسطة غربال كبير متعدد الفتحات، ليخلط بعدها بالماء ويمزج في حوض كبير مخصص لذلك قصد استخراج الشوائب، فيترك حتى يتماسك.
وأضاف الحرفي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بأن المرحلة الموالية، تقتصر على فلترة الطين من جديد حتى تخف نسبة الماء فيه وتفريغه من الهواء، ليصبح جاهزا للعجن قبل تصنيعه، إما يدويا أو عن طريق لولب أو دولاب خاص يتم تحريكه بواسطة القدم، ثم إبداع الأشكال الفخارية، مع ما يتطلبه ذلك من مهارة ودقة في التحكم.
وتابع المتحدث، “يتم نقل هذه الأشكال إلى عنابر خاصة بعيدا عن الشمس والحرارة كي لا تتعرض للكسر، أو توضع في فناء الورشة لمدة تصل إلى خمس ساعات للتجفيف”، ليقوم الحرفي بعدها بنحت الأشكال المصنوعة (التشطيب – Finition)، مستعينا في ذلك بالماء الذي يسهل تليين التربة، فتتخذ تصميمها النهائي الذي يعكس عبقرية الصانع المحلي، ثم تترك مرة أخرى لتجف إلى أن تصبح ناعمة الملمس.
وأوضح أن استعمال النار في هذه الصناعة يعتبر من بين ما تعتمد عليه، إذ يتم في مرحلة أخيرة، إدخال الأشكال الفخارية المصنوعة إلى فرن تقليدي أو عصري تفوق حرارته 500 درجة مئوية قصد حرقها، لمدة تصل إلى عشر ساعات، حتى تشتد صلابتها وقوتها.
من جانبه، أفاد رئيس جمعية أدرار لصناعة وتطوير الفخار (أكني اوموحال)، المعلم صالح إدنارور، بأن المادة الأولية المستعملة في هذه الحرفة لا يتم جلبها بشكل عشوائي، بل يتم اختيارها بعناية من حيث استخدام طين مميز وذو جودة مناسبة، تتوفر فيه شروط معينة كاللون ودرجة النعومة.
وذكر، في تصريح مماثل، بأن منطقة أنزي تشتهر بصناعة مجموعة من المنتوجات الفخارية التي تدخل ضمن الاستعمالات اليومية للساكنة المحلية بما في ذلك الطاجين الجاهز للاستعمال فوق النار أو الغاز، و”القصرية” المخصصة للكسكس، علاوة على الأطباق الفخارية، والأواني الخاصة بالمياه (القلة)، والمجمر (الموقد)، داعيا إلى تشجيع الحرفيين، بهدف المحافظة على هذه الحرفة من الاندثار، والدفع بها قدما نحو الأفضل من خلال استخدام وتوفير الوسائل الجديدة مثل الأفران الغازية المتطورة.
أما المدير الإقليمي لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتزنيت، هشام عطوشي، فقال إن هذه الصناعة تعتبر دعامة أساسية للتنمية المحلية، مشيرا إلى أن مصالح هذه المديرية، وبتنسيق مع شركائها، تعمل على النهوض بالقطاع ليلعب الدور المنوط به.
وأشار إلى أن مشروع بناء “قرية الفخارين” بتزنيت، الذي خصص له غلاف مالي يناهز 15 مليون درهم، يعكس هذه الرؤية، إذ من شأنه تحسين ظروف عمل الصناع التقليديين، وتشجيع الأنشطة التقليدية المدرة للدخل، كما أنه سيكون فضاء لتعزيز تبادل الخبرات بين الحرفيين الذين ورثوا معرفة الأجداد، وتوارثوها جيلا عن جيل.
لقد عرف قطاع الفخار بإقليم تزنيت تطورا مهما مكن العاملين فيه من تسويق منتوجاتهم وضمان مورد دخل يغطي احتياجاتهم، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهود وتعزيزها عبر تحسين ظروف الاشتغال وتوفير بنية تحتية ملائمة، وكذا الرفع من جودة المنتوج باستعمال التقنيات الحديثة، إلى جانب الحفاظ على مكانته التاريخية كإرث تراثي يعكس جمالية الصناعة التقليدية الوطنية.