تيزنيت 37 + وكالات
شهدت عاصمة الفضة (تيزنيت) منذ يوم الخميس الماضي، عروضا مختلفة ضمن مسابقات “التبوريدة” لرياضة الفروسية التقليدية المدرجة ضمن قوائم التراث الثقافي العالمي.
ويواصل المهرجان الذي بلغ هذه السنة (2024) نسخته الـ12، الاحتفاء بهذا الموروث الثقافي العالمي من خلال برمجة عروض في فن الفروسية التقليدية موازاة مع باقي فقرات المهرجان.
و”التبوريدة” فن فروسية تقليدي معروف، وهو استعراض للفرسان يحاكي معارك التحرير واحتفالات الانتصار، حيث تنطلق الخيول في سباق لنحو مئة متر ينتهي بإطلاق النار في الهواء.
وترجع فنون الفروسية المغربية التقليدية أو “التبوريدة” إلى القرن الـ15 الميلادي، واسمها مشتق من البارود الذي يطلقه الفرسان من بنادقهم أثناء الاستعراض، وهي عبارة عن مجموعة من الطقوس الاحتفالية المؤسسة على أصول وقواعد عريقة جدا في أغلب المناطق المغربية، خصوصا في المناطق ذات الطابع البدوي.
وتتعدد المناسبات التي يحتفل بها المغاربة، والتي تتخللها عروض من فن “التبوريدة”، مثل حفلات الأعراس والعقيقة والختان، إضافة إلى المواسم الدينية والاجتماعية.
وتمثل هذه الوصلات الفنية المغرقة في الرمزية اختزالا للطقوس الكرنفالية والفلكلورية لدى المغاربة، والتي ينسجم فيها اللباس مع الغناء والرقص والفروسية والأضحية والنار في سياق متناغم.
وفي دجنبر 2021 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) “التبوريدة” في قوائمها للتراث الثقافي غير المادي العالمي.
وبدأت مباريات “التبوريدة” أول أمس الخميس، وتستمر حتى نهاية فعاليات المهرجان، وتنظمها جمعية تيميزار للفضة، وشهد يوم أمس الجمعة منافسة كبيرة بين المتسابقين، كما شهد المضمار حضورا جماهيريا كبيرا.
ويبدأ العرض باصطفاف الفرسان في صف مستقيم يتقدمهم “المقدم” (قائد السربة) الذي يتميز بلون لباسه التقليدي الخاص المكون من جلباب وسلهام (لباس تقليدي أمازيغي مغربي)، فيما يرتدي كل الفرسان لباسا تقليديا موحدا من حيث اللون وشكل الخياطة.
وتعد “التبوريدة” طقسا احتفاليا وفلكلوريا عريقا لدى المغاربة، وهي ليست وليدة العصر، لذلك باتت مرتبطة في أذهانهم بتقاليد وعادات تجمع بين المقدس والدنيوي، حيث تصاحبها مجموعة من الأغاني والمواويل والصيحات المرافقة لعروضها، والتي تحيل إلى مواقف بطولية.
وهي تمجد البارود والبندقية التي تشكل جزءا مهما من العرض، خاصة عندما ينتهي بطلقة موحدة مدوية تكون مسبوقة بحصص تدريبية يتم خلالها ترويض الخيول على طريقة دخول الميدان، وأيضا تحديد درجة تحكم الفارس بالجواد.
وتشكل “التبوريدة” جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي الأصيل الذي يعيد الذاكرة الشعبية والمتفرجين في مناسبات عديدة إلى عهود مضت، وهنا يمكن القول إن المغاربة الذين يمتلكون الخيول المدربة على “التبوريدة” هم من علية القوم في القبيلة وأصحاب خبرة وشأن عظيم ونخوة ومكانة في البلاد.
وترافق استعراضات فرق الخيالة (البواردية) أهازيج شعبية، كما يحتاج فن “التبوريدة” إلى تدريب كبير ومستمر من أجل ترويض الجواد على طريقة دخول الميدان والعدو في انسجام تام مع باقي الخيول، ويكون “العلام” هو المسؤول عن تنظيم الفرقة عند خط البداية وإعطاء إشارة الانطلاق وإشارة الوقوف الذي يعد بمثابة سيطرة على الجواد.
وللحفاظ على اللياقة البدنية للفرس يحتاج صاحبه إلى ترويضه باستمرار والعناية به وفق برنامج مضبوط وصارم من العلف والتدريب والتنظيف والعناية.
ويتخوف كثيرون من انقراض هذا الفن العريق، خاصة أن من يحافظ على هذا التراث هم من الفلاحين البسطاء الصامدين في البوادي، في ظل غياب أي دعم من المؤسسات الرسمية التي يفترض فيها السهر على تقديم المساعدات لهؤلاء بغية الحفاظ على التراث الرمزي للبلاد، خاصة في الأيام العصيبة، وفي مواسم الصيف التي تتطلب من الفرسان مصاريف لرعاية خيولهم والتنقل إلى حلبات السباق في المواسم والمهرجانات.
ويعول عشاق هذا الفن التراثي ومحترفوه على إقبال أجيال جديدة عليه للحفاظ على رأسمالهم الرمزي الذي توارثوه عن أجدادهم.
وأصبحت هناك مهرجانات خاصة بـ”التبوريدة” بدل كونها مجرد وصلات مؤثثة للموسم أو المهرجان إلى جانب عروض أخرى، كما أن “التبوريدة” لم تعد حكرا على الرجال، بل ظهرت فرق نسائية خاصة من الخيالة يزداد عددها في المهرجانات سنة بعد أخرى.