تيزنيت 37 صحيفة إلكترونية مغربية

كورونا كما عشتها … !


رغم الاحتياطات أصبت بكورونا..لا أدري متى ولا كيف لكنني أحسست بإعياء شديد والام في الرأس وأنا قادم من العمل صبيحة يوم خميس صيفي قائظ.

لم أعر هذه الأعراض كبير اهتمام وكغالبية المغاربة قمت باعتماد وصفات تقليدية من الطب الشعبي لثلاثة أيام الأولى. وهذا كان خطأي الأول.

 

استمرت الأوجاع والالام والحمى رغم تلك الوصفات، فاضطررت الى اقتناء بعض الأدوية من الصيدلية ظنا مني أن الأمر يتعلق فقط بنزلة برد ولا حاجة لي بزيارة الطبيب أو المستشفى. وهذا كان خطأي الثاني.

 

استمرت الحرارة في الارتفاع واشتدت نوبات الاوجاع والالام العضلية التي لا تطاق لمدة أسبوع كامل وأنا كالأبله ما زلت أتناول مضادات الحمى والالتهاب في انتظار شفاء لن يأتي. وهذا كان خطأي الثالث.

 

تدخلت زوجتي فألحت علي بضرورة زيارة طبيب مختص في الجهاز التنفسي فانصعت اليها مرغما محاولا اقناعها بأن الأمر لا يستدعي ذلك لكنها أصرت على زيارة الطبيب وهو ما كان.

أجرى لي الطبيب فحصا بالراديو فاكتشف بأن هناك شيئا غير عادي على مستوى الرئتين، ولمزيد من التدقيق واحتياطا وصف لي مجموعة من الأدوية مع ضرورة اجراء مسح بالليزر لمنطقة الصدر.

 

في المستشفى كانت المفاجأة تنتظرني..

أصيبت الرئتين بنسبة 35 بالمائة والأعراض التي أعاني منها أعراض الإصابة بكورونا وليس نزلة برد !عادية. هكذا اذن

كانت زوجتي هي من نقلت الي هذه المعطيات وهي مصدومة…فكان لابد أن أنزل ضيفا على جناح كوفيد لبضعة أيام والا فان النتائج ستكون وخيمة على صحتي.

 

شهادة للتاريخ..

حظيت كباقي نزلاء جناح كوفيد للاستشفاء بعناية فائقة من طرف الأطر الإدارية والطبية والتمريضية العاملة بالمستشفى الإقليمي.

وحدة أشبه ما تكون بخلية نحل لا تتوقف عن العمل…قياسات منتظمة لمعدل السكر في الدم وللضغط الدموي ولمعدل الاكسجين…حقن وعقاقير وأدوية تعطى في وقتها…أجهزة متطورة تراقب جميع المؤشرات الحيوية للجسم…متابعة يومية دقيقة تحسبا لأي طارئ صحي أو انتكاسة مفاجأة.

الفيروس التاجي خبيث ولا يؤمن جانبه…هكذا هي القاعدة العامة التي يضعها الكل هنا نصب عينيه.

واذن فلا مجال للتراخي أو التهاون لأن المسألة مسألة حياة أو موت.

 

منحتني الإقامة في جناح الاستشفاء الخاص بكوفيد فرصة التأمل في هذا الفيروس الفتاك وعادت بي الذكريات مرات ومرات الى المحاضرات والدروس التوجيهية والأشغال التطبيقية الخاصة ببيولوجيا الأحياء الدقيقة وبيولوجيا الجزيئات وعلم الوراثة والجينات وعلم البيئة…

وأنا طالب بكلية العلوم نهاية الثمانينات من القرن الماضي كنت أنصت الى ملاحظات الأساتذة حول هذه الكائنات المجهرية. خيط ناظم واحد ووحيد يوحد بينهم…هناك توازن طبيعي ما بين الانسان وهذه الكائنات الدقيقة ترسخ عبر الاف السنين في انسجام ووئام بين الفيروسات والجسم البشري.

والحالات التي تنأى عن هذه القاعدة نادرة جدا. فما الذي وقع؟

ببساطة تدخلت يد الانسان نفسه لخلخلة هذا التوازن الطبيعي عبر التلاعب بجينات هذه الكائنات المتناهية في الصغر..la génie génétique

والنتيجة ما نعيشه من كوارث صحية لا يعلم أولها ولا أخرها.

 

طلب أخير الى رب السماوات والأرض..

يا خالق الكون…يا بديع نظام هذا الكون…أعد النظام الى نظامك…ارفع عنا هذا الوباء بقدرتك التي لا تحدها العبارة أو الإشارة…اشف المصابين بهذا الفيروس الخبيث في كل مكان..

اللهم جاز عنا خير الجزاء بما أنت أهله وبما هم أهله كافة أطرنا الإدارية والطبية والتمريضية والتقنية التي ترابط ليل نهار في المستشفيات وتقاوم في صمت هذا الكائن المجهري الفتاك..

وتغمد اللهم بواسع رحمتك كل من رحلوا عنا من أساتذتنا وأصدقائنا ومعارفنا…خطفهم هذا الفيروس الخبيث منا في طرفة عين فأصبحوا مجرد ذكريات وأطياف من الماضي والزمن الجميل تحوم حولنا بين الفينة والأخرى وتهمس في اذاننا أن هذه الدنيا فانية وأن الأمر كله أولا وأخيرا بيد الله عز وجل.

فالحمد لله على كل حال وحسبنا الله ونعم الوكيل..

 

محمد أزرور

اترك رد