تيزنيت 37 صحيفة إلكترونية مغربية

إصدار ينادي بإنقاذ وتثمين التراث العمراني في المدن المغربية العتيقة


رصد لإشكالات يعيشها التراث الثقافي المادي المغربي بعدد من مدن المملكة، وبسط لنماذج تأهيل رائدة في مدن مثل فاس، مع توفير توصيات لـ”حفظ الذاكرة الجماعية” لكل منطقة؛ عناصر تضمنها كتاب جديد حول واقع التراث العمراني بالعالم العربي، تهتم بعض دراساته بنماذج مغربية.

 

وعنون هذا الكتاب الجماعي الجديد، المتاح الاطلاع عليه رقميا على موقع المركز الديمقراطي العربي ببرلين – ألمانيا، بـ: “واقع ومواقع التراث العمراني بالوطن العربي – مقاربات وتجارب”.

 

ومن بين ما يتطرق له المؤلف، في ما يتعلق بالمغرب، واقع المنشآت العمرانية العمومية بالمدن العتيقة انطلاقا من المدينة القديمة بتيزنيت، والتجهيزات العمومية الدينية بالمدينة العتيقة للقصر الكبير، ودور رد الاعتبار للتراث العمراني بالمدن العتيقة في تعزيز الجذب السياحي انطلاقا من تجربة مدينة فاس، والتثمين وإشكالية التنمية والصراع في حالة المعمار الجبلي بالأطلس الكبير الأوسط، وحاجة التراث المعماري والعمراني بقصور زاكورة إلى التثمين.

 

ويهتم الكتاب، المنشورة أبحاثه باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، بوضع مواقع التراث العمراني بمجموعة من الدول هي، إضافة إلى المغرب، الجزائر وتونس ومصر ولبنان.

 

وفي دراسة الباحثين الحسين اسكيح وبوشتى الخزان حديث عن الإكراهات والمشاكل الكثيرة التي تعيشها مدينة تيزنيت العتيقة، رغم توفر “العديد من المنشآت العمرانية العمومية التي تهيكل النسيج العتيق للمدينة”، بوظائفها المتنوعة، ملخصة إياها في “تدهور إطارها المبني”.

 

ويخلص الباحثان إلى أن مشاريع إنقاذ المدينة العتيقة ورد الاعتبار لها، التي همت بنياتها التحتية ومعالمها التراثية، “لم يكن لها تأثير حقيقي بالشكل المنتظر على واقع حال المآثر العمرانية”، إذ لم تحسن قدرات المنشآت العمومية التقليدية، باستثناء بعض المشاريع التي همت المنشآت الدينية، التي لقيت استحسانا من الساكنة.

 

وتقول الدراسة إن لهذا التوجه “رهانات رمزية أكثر من الرهانات التنموية، بينما هناك مآثر عمرانية أخرى في طي النسيان نتيجة التدهور الذي لحقها”؛ ما يجعل “إيجاد وظائف بديلة” للمنشآت العمومية التقليدية “الحل الأمثل لإعادة إحيائها بعدما طالها النسيان والإهمال”.

 

ما يدعو الباحثان إلى “مراجعة الخطط المعمول بها في تنفيذ هذه التدخلات التي يقوم بها الفاعل السياسي والمؤسساتي”، في وقت “تبقى أدوار المجتمع المدني والقطاع الخاص محدودة في التحسيس والحفاظ على التراث الثقافي بالمدينة بمختلف عناصره”.

أما دراسة الباحث عمر برجل والأستاذة الباحثة صباح بوصفيحة فوقفت عند “التباين الكبير” الذي تشهده التجهيزات التقليدية الدينية بالمدينة العتيقة للقصر الكبير في الاهتمام والعناية، حيث “تحظى المساجد بعناية جد هامة مقارنة بالزوايا والأضرحة التي تعاني تهميشا وإهمالا كبيرا”، ما يستدعي “اعتماد مقاربة تستهدف مراعاة حاجيات هذه التجهيزات الدينية، باعتبارها قاطرة للتنمية تجب العناية بها، واستغلالها بكيفية تعود بالنفع والفائدة على الساكنة المحلية”.

 

وينطلق الباحث علي البوزايني من نموذج مدينة فاس التي تعرضت، تحت عوامل الزمن وسياسة المستعمر الفرنسي، لإهمال انعكس سلبا على وضعية الأبنية التي صارت آيلة للسقوط، ثم يتطرق إلى تصنيفها تراثا إنسانيا عالميا، وانعكاسه إيجابا على مجالها، ليقدم بعد ذلك الباحث “تجربة مدينة فاس مثالا يحتدى به في سياسة رد الاعتبار للتراث المبني في سبيل الحفاظ على الهوية المعمارية المحلية خصوصا والإنسانية عموما، وتثمين هذا الإطار ليصبح ذا جاذبية سياحية، ورهانا للتنمية”.

 

ويسجل الباحث أن انخراط الخواص في عمليات رد الاعتبار لمكنونات مدينة فاس “ضروري لربح رهان إنقاذ تراثها”، إضافة إلى “تقديم قروض تفضيلية لقاطني المدينة الأصيلة (العتيقة) لاستثمارها في مشاريع صغيرة ومتوسطة، وإلزامهم بتخصيص جزء من أرباحهم لإصلاح منازلهم، ووضع لجان تتبع، ليمكن ربح الرهان بعد مرور السنوات”.

 

أما المعمار الجبلي بالأطلس الكبير الأوسط المغربي فيقارب فيه الباحث عثمان زوهري النمط المعماري الجبلي الفريد، المتمثل في المخازن الجماعية التي تعود إلى القرن 18 الميلادي (مخازن أوجكال)، ولها دور مهم في الحياة القبلية، تخزينا وسكنا واحتماء، وما تعكسه بوصفها مؤسسة اجتماعية، وجانبا مهما من التنظيم السياسي للقبيلة، ونمطا للعيش والعوائد أو الثقافة.

 

وتدعو الدراسة إلى إخراج هذا المعمار من “حالة التراث الجامد” إلى “التراث الدينامي المساهم في التنمية”، مسجلة أن تأهيل هذه المخازن لا ينفك عن تأهيل مجالها، ومحيطها الاجتماعي، الاقتصادي، الثقافي، مع حفظ “روح المكان” و”حماية الذاكرة الجماعية من النسيان”.

 

وتقترح الدراسة ألا يقتصر التأهيل على العملية “الاستيتيقية”، الجمالية المنظورة، بل أن يتجاوزها نحو “وظيفة جديدة” هي، بعد الحفاظ على خصوصيتها وجماليتها وتراثيتها أو معالمها التقليدية وملامحها التاريخية، تحويلها إلى غرف للإيواء تسمح للنزلاء السياح، عوض التفكير في الفنادق الفارهة، مع تحويل مخازن أخرى إلى متحف إثنولوجي تجمع فيه الأدوات التقليدية، وما يدل على فضاء العيش، والاقتصاد المنزلي، وأنشطة الرعي والزراعة والحرف، مع استثمار التراث الروحي للمخازن الذي يجب أن يجمع ويسجل ويدرس.

وائل بورشاش

اترك رد