بعض التغيرات الطفيفة التي تطال الشجيرات المنتصبة في مدخل المدينة، يخال مكرر الزيارة إلى تيزنيت أنها خارج الزمن وحركيته، حيث لا شيء يتغير ولا مشاريع تزعج الهدوء الذي تغرق فيه المدينة باستثناء أيام المناسبات الدينية والعطل التي تأتي ببعض الزوار والسكان المتنقلين أحيانا صوب مناطق بعيدة من أجل الاشتغال في مهن بسيطة، لا تستطيع المدينة توفيرها لأبنائها.
تذمر كبير في صفوف الشباب والمجتمع المدني الذي يحاول بين الفينة والأخرى كسر رتابة أيام التزنيتيين المتشابهة، وتشك متواصل للسكان من ضعف خدمات النظافة والتجهيز بالمدينة، تزكيه حالة الأزقة والشوارع التي تعج أزبالا وكلابا ضالة، فضلا عن تحول سور المدينة التاريخي إلى “مبولة” تزكم الأنوف، يلجأ إليها المارون في ظل غياب مراحيض عمومية.
النظافة
مصطفى أوشرك، فاعل مدني بالمدينة، قال إن “كثيرا من المغاربة لازالوا محتفظين بالصورة النمطية لمدينة تيزنيت (مدينة الهدوء والسكينة والنظافة) بيد أن هذا الواقع تغير كثيرا، خصوصا مع ما تعرفه المدينة من زحف عمراني ونمو ديموغرافي، لم يتمكن المجلس الجماعي من مواكبة حاجياته”، وزاد: “هذا العجز يظهر بشكل ملموس في تفاقم مشكل النظافة بعدة أحياء إن لم نقل بالمدينة كلها (شارع سيدي عبد الرحمان، حي اليوسفية، المدينة القديمة…)”.
وأضاف أوشرك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المجلس الجماعي لا يوفر العدد اللازم من حاويات القمامة ولا العدد الكافي من الموظفين والشاحنات المكلفة بجمع الأزبال؛ ناهيك عن عدم تأطير هؤلاء المستخدمين”، مشيرا إلى أن “المدينة منذ نهاية حقبة المجلس الجماعي الماضي أصبحت تتخبط في مشاكل جمة أبرزها مشكلة الباعة الجائلين الذين يرفض المجلس إيجاد حل لهم، ما يساهم بشكل مباشر في إفساد منظر المدينة وجماليتها ونظافتها”.
وأردف المتحدث بأن “زائر المدينة يكتشف بسهولة سوء تسيير المجلس الحالي لأوضاع التزنيتيين، إذ لم يأت بأي جديد للمدينة لا على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي”، مشيرا إلى أن “فرص الشغل بالمدينة شبه منعدمة، ما يضطر الشباب إلى السفر صوب أكادير والبيضاء والرباط من أجل الحصول على وظيفة”.
أحياء مهمشة
إبراهيم الكابوس، فاعل مدني يؤكد أن “أحياء مثل بوتيني وتامدغوست وغيرها من المعروفة باسم “الملحقة” تشكو من أزمات لا تحصى”، وزاد: “كل طلباتنا من أجل لقاء رئيس المجلس الجماعي، للتداول في مشاكل الحي، قوبلت بالصد والرفض، لا لشيء سوى لتواجد فاعلين مدنيين ينتقدون وضعية تلك الأحياء التي تشكو غياب الأمن والتجهيز وخط الهاتف”.
الكابوس أضاف في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “حي بوتيني البعيد عن وسط المدينة بما يقارب كيلومترين يفتقر إلى أبسط ظروف الحياة الكريمة؛ لا ملاعب ولا فضاءات خضراء يلعب فيها الأطفال، كما أن الطرق المؤدية إليه تتحول في فصل الشتاء إلى كارثة بحكم تأثرها بالتساقطات المطرية”، مشيرا إلى أن “الساكنة لازالت تعتمد على طرق تقليدية في تصريف المياه نظرا لغياب قنوات الصرف الصحي”.
أردف المتحدث بأن “شبكة الهاتف وخطوط الكهرباء والماء نادرة في الحي؛ فضلا عن انتشار الكلاب الضالة و”الكريساج” والمخدرات، لغياب دوريات الأمن التي لا تصل إلا في حالات جرائم خطيرة”، وزاد أن “مشكل النقل بدوره مؤرق للساكنة، إذ إن خطوط النقل العمومي لا تصل المنطقة، كما أن أرباب سيارات الأجرة ينقلون الناس بضعف التسعيرة القانونية”.
وأكمل الكابوس بأن “أطفال بوتييني يشكون من الاكتظاظ بالأقسام، حيث لا يتوفر الحي سوى على ملحقة لمدرسة اليعقوبي، يضطر فيها الأستاذ إلى جمع ستة مستويات دراسية”، مسجلا أن “الحي يرزح تحت جنح الظلام، بحكم ضعف الإنارة العمومية وانعدامها في أحيان كثيرة”، على حد قوله.
وضع ثقافي مترد
حسن بلقيس، فاعل مدني بتيزنيت، يؤكد أن “الوضع الثقافي بالمدينة لا يمكن فصله عن الصراع السياسي، إذ يتأرجح بين تيارين لا يمتان للثقافة المحلية بصلة، ويحاولان السيطرة على مفاصل الفعل الثقافي”، مشيرا إلى “وجود تيارات براغماتية داخل المجلس الجماعي لا ترى في الثقافة إلا مهرجانات وفلكلورا عابرا، ولا ترى في الفاعلين الثقافيين بالمدينة سوى منشطين لا غير”.
وأضاف بلقيس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “بعض التيارات داخل المجلس الجماعي تنتقم من الفاعلين الثقافيين بالمدينة بشكل غريب، وتنظر إلى أي شخص حامل لمشروع ثقافي مثل عدو مفترض”، مشيرا إلى أنها “لا تتقبل من لا يسايرها، إلى درجة أنه وسط البلدية تنتشر عبارة “ديالنا ماشي ديالنا”؛ كما أن تناقضاتها الداخلية تضطر البعض إلى التشكي من الآخر بشكل مستمر”.
وأردف المتحدث بأن “تيزنيت في حاجة إلى إستراتيجيات بديلة لمواجهة العنف الرمزي الذي يمارسه تياران داخل المجلس”، مسجلا أن “الفاعلين الثقافيين بدورهم يتحملون مسؤولية تراجع الفعل الثقافي بالمدينة، نظرا لتشتتهم، وعدم تقبلهم للانتقاد، وهو ما سمح للأطراف الأخرى بالتقوي”، وفق تعبيره.